تمر إيران بمأزق كبير بسبب انهيار قواتها أمام تقدم الفصائل السورية التي أطلقت عملية عسكرية خاطفة، الأربعاء الماضي، ضد النظام والميليشيات الشيعية الموالية له تحت مسمى «ردع العدوان».
وتعد إيران أهم داعم للنظام السوري، إذ يوجد ضباطها على الجبهات جنباً إلى جنب مع الجماعات الحليفة كحزب الله اللبناني وميليشيات زينبيون التي تضم الشيعة الباكستانيين، وفاطميون الأفغانية، وميليشيات عراقية وسورية، بينما توفر روسيا الدعم الجوي لتلك القوات البرية.
اجتاحت الفصائل المسلحة السورية ريفي إدلب وحلب الغربي، وواجهوا القوات الإيرانية بشكل مباشر، وقُتل قائد قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، كيومارس بورهاشمي، الشهير بلقب الحاج هاشم، خلال الاشتباكات في ريف حلب.
وكانت الميليشيات الإيرانية تعسكر قرب خطوط التماس تترصد لفصائل إدلب، وكانت سراقب هي النقطة الأكثر محورية بالنسبة لإيران في تلك المناطق، إذ تقع عند تقاطع طريقين رئيسيين: الأول يربط حلب بدمشق عبر طريق M5 السريع، والثاني يربط حلب باللاذقية عبر إدلب، وكان عناصر حزب الله اللبناني يتمركزون بها رغم الحديث الإعلامي المتكرر عن سحب حزب الله قواته من سوريا وحشدها على الجبهة اللبنانية في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
وبعد مقاومة قصيرة فرت القوات الإيرانية من سراقب وانفتح الطريق أمام فصائل المعارضة السورية فمضت في طريقها بلا مقاومة.
وعلى مدار سنوات اعتادت إسرائيل على توجيه ضربات جوية على مواقع حزب الله وميليشيات إيران المنتشرة في أنحاء سوريا، وخلال الفترة الأخيرة استهدف الإسرائيليون خطوط التماس قرب إدلب مما فُسر على أنه مسعى لإضعاف إيران لصالح المعارضة السورية.
وعندما استهدفت الغارة الإسرائيلية على سراقب في التاسع من نوفمبر مواقع حزب الله وقوات النظام في سراقب، ردت قوات النظام على هذه الغارة بقصف مدفعي على مواقع المدنيين السوريين في مدينة سرمين شرق إدلب المحاذية لسراقب، ومدينة الأتارب في ريف حلب الغربي.
وعلى مدار الفترة الماضية قبل اشتعال المواجهات تلقت المناطق التي تسيطر عليها الفصائل السورية ضربات عسكرية أوقعت كثيراً من المدنيين، وخلال العام الحالي تكررت الهجمات على مناطق المعارضة بالطائرات المسيرة الانتحارية.
وتعرف أراضي المعارضة باسم «مناطق خفض التصعيد» إذ اتفقت تركيا مع روسيا على عدم إجراء تغييرات في مناطق سيطرة الأطراف المتحاربة، لكن هذه الاتفاقات لم تحترم طوال الوقت، ففي عام 2020 استولى حزب الله والميليشيات المدعومة من طهران، على مزيد من الأراضي قرب حلب في انتهاك للاتفاق.
لذلك بررت أنقرة هجوم ردع العدوان بأن الفصائل توسعت داخل المناطق التي أعطاها لها الاتفاق الروسي التركي، لكن هذا التبرير انهار بعد توسع الفصائل واستيلائهم على حلب وما بعدها.
وبدأ الهجوم السوري مباشرة بعد بدء سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، فلم تدخل الفصائل معركة تشترك فيها مع إسرائيل في قتال ضد نفس العدو في نفس التوقيت ونفس الساحة.
كما أن وقف إطلاق النار في لبنان يضع قيوداً على تحركات الحزب، كما أنه لا يتيح له تحرير طاقاته والتفرغ لجبهة أخرى لأنه وقف إطلاق نار هش، فإسرائيل ارتكبت خروقات عديدة كما أنها هددت مراراً بإمكانية العودة للقتال في أي لحظة، مما يُبقي حزب الله مستنفراً وتحت التهديد طول الوقت.
مع انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية واستنزاف حزب الله في لبنان، يصعب على طهران تعويض ذلك، إضافة إلى انهيار الروح المعنوية للجهات الموالية لإيران بعد اغتيال أمين عام الحزب، حسن نصر الله، والتدمير الذي طال الحزب والجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية، والضربات الإسرائيلية التي أجهزت على جانب كبير من إمكانيات إيران في سوريا.
وبحسب صحيفة «كيهان»، المقربة من المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في تقرير لها السبت، فإن « إيران هي الهدف الرئيسي من هذه الحرب» خصوصاً وقد قُتل عدد من الإيرانيين في المعركة، وأضافت الصحيفة أن «محور المقاومة عبارة عن أذرع إيران وحلفائها، لذا فالهجوم عليها يعتبر هجوماً على إيران».
وتابعت الصحيفة أن من خططوا لهذه الهجمات يريدون عدم السماح لمحور المقاومة بالتقاط أنفاسه، بعد وقف إطلاق النار في لبنان.
وأكد السفير الإيراني في سوريا، السبت، وجود ارتباط واضح بين هجمات المسلحين في سوريا والوضع في لبنان، متهماً الدول الأوروبية بدعمهم، وأن الهدف هو الانتقام من سوريا بسبب دعمها محور المقاومة وحزب الله الذي انتصر على إسرائيل بحسب وصفه.
وذكرت صحيفة «جوان» المقربة من الحرس الثوري، أن هجوم الفصائل المسلحة على الجيش السوري استغل الفراغ الموجود لـ«محور المقاومة»؛ بسبب الحرب، وشنت هجوماً مفاجئاً وكبيراً على حلب، في انتهاك لاتفاق وقف التصعيد الذي انتقدته الصحيفة ضمنياً باعتباره أسهم في منع الجيش السوري وحلفائه من السيطرة على إدلب عام 2020، عندما كانت الفصائل ضعيفة ومتناحرة.
وهدد مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني حسين دقيقي، بالتدخل الحاسم في سوريا قائلاً، «لقد حاول العدو التعدي في سوريا، لكن سيتم بتر أيديهم بطريقة ستُخلد في التاريخ»، وكذلك تعهد مساعد منسق فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني إيرج مسجدی بالتدخل قائلاً، «استغل العدو وقف إطلاق النار في لبنان ويحاول إشعال الفوضى في سوريا، لكني أعدكم بأن الأعداء سيهزمون كما حدث في سابقاً».
ومع صعوبة تدخل إيران ومعظم حلفائها في الظرف الحالي، بدت الفصائل الولائية في الحشد الشعبي العراقية أقرب إلى إنفاذ تهديدات القادة الإيرانيين، رغم الخشية من تأثير الأوضاع في سوريا على الداخل العراقي.
فأصدرت ميليشيا النجباء تهديدات بالتدخل، فالمتحدث الإعلامي باسم الحركة حسين الموسوي، أطلق تصريحاً قال فيه، «لن نسمح لهذه الجماعات أن تظهر من جديد».
وقد تأسست النجباء عام 2013، وقاتلت في الساحة السورية، ولعبت دوراً كبيراً في معارك حلب عام 2015.
وترى إيران في عملية ردع العدوان ليس فقط تهديداً لنفوذها في الشمال السوري، بل تهديداً وجودياً لمشروعها في سوريا الذي قدمت تضحيات هائلة في سبيله، فقد كشفت وثيقة مسربة عام 2023 من الرئاسة الإيرانية إنفاق النظام الإيراني 50 مليار دولار في الحرب داخل سوريا، بحسب ما نشرت جماعة «ثورة حتى إسقاط النظام»، المقربة من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة.
والأكثر خطورة بالنسبة لإيران أن خسارة سوريا قد تعني تهديد نفوذها في لبنان والعراق ودول أخرى، وتهديد النظام ذاته داخل إيران بعدما بعثر ثروات دولته الغنية في مشروعات توسعية خاسرة.